مزايا العمل من المنزل

انقسم الناس في رأيهم حول العمل من المنزل، فَفِئة تعتقد بعدم قدرة الناس على إنهاء أي مهام أو أعمال، والفئة الأخرى تؤمن بزيادة رضى الموظفين وإنتاجيتهم. إذا حدث وسُئِلت عن موقفك بخصوص العمل من المنزل، فالاحتمالات تشير إلى اعتماد جوابك بشكل كبير على كيفية تأقلمك مع العمل من المنزل. فحينما يُؤكِّد البعض على إنتاجيتهم العالية عندما يعملون 40 ساعة في الأسبوع عند حضورهم في مقر العمل، هناك دعم متزايد للفئة الثانية من الموظفين الذين يجدون أنفسهم ينجزون أعمالا أكثر عند العمل من المنزل.

دعمت الدراسات الحديثة فكرة أن العمل من المنزل – للفئة المناسبة – قد يزيد من الإنتاجية ويقلل من الإجهاد. تشير أيضا الدراسات إلى أن الشركات التي تشجِّع بروتوكول العمل من المنزل وتدعمه توفِّر المال على المدى البعيد —وهذه فائدة إضافية لصاحب العمل.

القطاع التقني معروف بمرونة الجدول وتقديمه لفرص العمل عن بعد، ويبدو ذلك منطقيا نظرا لاعتماد معظم شركات التقنية على شبكة الإنترنت وكون التقنية أهم مكون عند العمل من المنزل. باستخدام المكالمات المرئية، والاجتماعات عبر الهاتف، وشبكات (VPN)، والإنترنت اللاسلكي؛ بإمكاننا البقاء على اتصال باستمرار كما لو كنا بمكاتبنا.

يمر أيضا القطاع التقني حاليا بعجز في الكفاءات في عدد من الوظائف، وتوظيف عاملين عن بعد سيفتح باب توفُّر الكفاءات العالية للشركات التي تسعى لتوظيف من هم في مجال العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات. يقول بوريس كونتسيفوي، مؤسس شركة (.Intetics Co) ورئيسها:

«يحصل معظم العمل في المجال التقني على الحاسوب وشبكة الإنترنت. ونتيجة لذلك، لم يعد موقع الشخص الجغرافي ذا أهمية مادام لديه اتصال يعتمد عليه بشبكة الإنترنت».

طبيعة القطاع التقني

في حين يمكن العثور على الموظفين عن بعد في مختلف القطاعات، رؤيتهم في المجال التقني شائع عن غيرهم من المجالات. قد يعود السبب لطبيعة معظم وظائف التقنية – خاصة وظائف المطوِّرين والمبرمجين – والتي تتطلب درجة عالية من الدقة في العمل وساعات طويلة للتركيز. العمل من المنزل قد يقلل من الملهيات التي يواجها هؤلاء الموظفون؛ مما يسمح لهم بإنجاز أعمال أكثر أثناء ساعات العمل.

تذكر آن غافيغان، كبيرة موظفي التكنولوجيا في شركة (Land Pros Systems, Inc):

«كوني مبرمجة، أحتاج لفترات طويلة من الوقت لإحراز تقدم في مشروع. فيوجد في المكتب الكثير من الملهيات المحتملة، إما عن طريق أشخاص يطرقون بابك أو بوقوف عملاء عندك. بعملي في المنزل يمكنني التحكم متى أجيب على المكالمات ورسائل البريد الالكتروني ومتى أكون على الوضع “الصامت” لإنجاز العمل».

قد يكون العمل في بيئة محكمة أساس إنجازية الموظفين الذين لا يستطيعون تحمل تشتيت تركيزهم بشكل مستمر وعلى مدار اليوم. إذ يمكن للعمل من المنزل أن يقلل من الملهيات التي تواجه هؤلاء الموظفين وتزيد من الوقت الذي يقضونه بالتركيز على مشاريعهم. فمن المنطقي أن الشركات، في نهاية المطاف، تستفيد من هؤلاء العاملين عن بعد من خلال إكمال هذه المشاريع بشكل سريع وبأخطاء أقل.

لا يمكن لمقياس واحد أن يناسب الجميع

عندما يتعلق الأمر بسياسة الشركة المرتبطة بالعمل من المنزل، فيختلف توجه كل فرد. الإنتاجية الخاصة بك ونجاحك كموظف عن بعد يعتمدان بالكامل على أسلوب العمل الذي تفضله. وهذا أيضا سبب صعوبة العثور على بيانات موثوقة حول ما إذا كان الناس أكثر إنتاجية في المنزل. ولكن وبشكل مختصر، يبدو أن الأمر يعود لأنماط الشخصيات وطبيعة العمل الذي يؤدونه. كل منا مختلف، وبعضنا لا يستطيع استيعاب فكرة العمل بجوار شاشات التلفاز ووجود جميع وسائل الراحة المنزلية محيطة بنا، بينما يجد البعض التركيز في المكتب في وسط أحاديث الزملاء وغيرها من المشتتات أمرا في غاية الصعوبة.

قد يعتمد نجاحك في العمل من المنزل على نوع العمل الذي تقوم به كما اكتشفت جامعة إلينوي في دراسة أجرتها. توصلت الدراسة إلى أن موظفيهم البعيدين قاموا بأداء أعمالهم بجودة تضاهي زملائهم الذين يعملون من مكاتبهم. ويقول فيل سيسيوريا، محرر لإدارة الأعمال والقانون في جامعة إلينوي:

«وفقا للدراسة، فإن العامل عن بعد يريد أن ييثبت أنه “فرد صالح” للشركة وذلك لتبرير المرونة التي أعطيت له لأداء عمله».

مزايا تفيد صاحب العمل

الموظف ليس وحده من يستفيد من العمل في المنزل، فجهة العمل أيضا يمكن لها أن تستفيد من العمل عن بعد بقدر الموظف. يقول آري زولدان، الرئيس التنفيذي لشركة (Quantum Networks, LLC):

«بالنسبة للموظفين، العمل عن بعد يمكّن من الحد من غياباتهم، ورفع إنتاجيتهم، وتوفير التكاليف. وذلك شائع جدا في المجال التقني لأن الشركات التقنية تتوفر لديهم البنية التحتية التي تسمح بالاحتفاظ بالموظفين عن بعد. مع وجود العمل عن بعد، فكرة العمل في المساحة المكتبية في تغيّر، والكثير يقولون أنها ستتغير للأفضل».

وواكب سيمون سليد، الرئيس التنفيذي والمؤسس لموقع (Affilorama) الإلكتروني عن كثب مزايا الموظفين عن بعد في شركته، ومما ورد عنه:

«من خلال السماح للموظفين بالعمل من منازلهم، باستطاعتك توظيف النخبة بينما لا تحد نفسك بقيود جيوغرافية. في شركة (Doubledot Media) هناك 19 من بين 28 من موظفينا يعملون عن بعد، ولم أرى فَرقا في الرضا أو الأداء الوظيفي. بل إن معدل الإنتاجية عند  العاملين عن بعد أعلى؛ لأنهم معدِّين بشكل أفضل لتجنب الملهيات... العمل عن بعد يوفر علي المال؛ لأنهم يدفعون تكاليف حواسيبهم الخاصة والكهرباء وغيرها من الأدوات»

يبدو في الواقع أن فتح الباب للكفاءات هو أحد أكبر المزايا التي ينتفع بها صاحب العمل عندما يتعلق الأمر بسياسة العمل من المنزل. تقول جيسيكا غرينوالت، المؤسسة لشركة (Pixelkeet) وأحد مؤسسي منصة (CrowdMed):

 «استطاعت (Pixelkeet) أن تجذب مصممين ومطورين موهوبين من يريدون عيش نمط حياة العمل المستقل دون حاجتهم للبحث عن عمل بأنفسهم. وكان أيضا من السهل علينا العمل مع عملاء من حول العالم لأن لدينا فريق العمل يعيشون في مناطق زمنية مختلفة تغطي احتياج معظم العملاء».

سبب العمل من المنزل لبعض الشركات قد يكون مسألة استغلال ساعات أكثر في اليوم. وهذا ينطبق بشكل خاص لمعظم الأعمال التجارية الصغيرة والشركات الجديدة؛ حيث لا يستطيعون تحمل تضييع حتى دقيقة واحدة من يوم العمل. يقول تيم سيغريفز، كبير موظفي التكنولوجيا في شركة (Revaluate) وأحد مؤسسيها:

 «كوننا شركة ناشئة، كل ساعة من كل يوم في غاية الأهمية، إذا قضينا جميعنا ساعة يوميا في التنقل بين المنزل والعمل، فسيكون ذلك قرابة 20 ساعة في الأسبوع تذهب في التنقل بدل شغلها بتطوير منتجاتنا وبناء الشركة».

قد تُبقي الشركات على مزيد من الموظفين إذا أظهروا فائدة ما من خلال العمل من المنزل. قام الدكتور الجامعي نيك بلوم بإجراء دراسة بغرض تقييم فوائد العمل من المنزل. ووجد أن العاملين كانوا أكثر إنجازا، وأنهوا أعمالا أكثر، وشغلوا مزيدا من الساعات في العمل، واستراحوا لوقت أقل، وطلبوا إجازات مرضية أقل من قرنائهم الذين في المكتب. هؤلاء الموظفين كانوا أيضا أكثر رضى وأقل طلبا للاستقالة  بقدر الذين يذهبون للمكتب بشكل منتظم. وقد قدَّر، كمعدل متوسط، توفير الشركة لحوالي 2000 دولار لكل موظف يعمل من المنزل.

مزايا صحية

يتمتع من يعمل من منزله من الناس بفرصة الأكل بشكل صحي وتحقيق توازن بين العمل والحياة الشخصية. يمكن للأكل الصحي وتمضية وقت مع عائلتك أن يقلل من شعورك بالإجهاد، و له أيضا أن يجعل يومك أكثر سعادة وإنتاجية. أشارت دراسة في عام 2011 من (Staples) أن الموظفين الذين يعملون من المنزل يقل عندهم الإرهاق بنسبة 25 بالمئة. وذكر الموظفون أيضا أنهم كانوا قادرين على تحقيق توازن بين العمل وحياتهم الشخصية بالإضافة للأكل بشكل أفضل وصحي

أشار أحد مؤسسي منصة (SimpleTexting) فيليكس دوبينسكي لمزايا البقاء في المنزل الصحية:

«من السهل الحفاظ على برنامج غذاء صحي حينما تأكل في المنزل. توفير العديد من الساعات المرهقة التي كان من الممكن أن تذهب في التنقل بين المنزل والعمل. لك أن تنشئ بيئة عمل مريحة لنفسك وقضاء وقتٍ أكثر مع العائلة».

عندما تسأل الناس لماذا يفضِّلون العمل من المنزل، أكثر الأجوبة انتشارا هي قول معظمهم أن بيئة عملهم المرنة تخفف من كمية الإرهاق الذي يعانون منه ويعطيهم توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية. اليوم مكاتبنا مفتوحة بشكل متواصل، والوضع لم يعد مثل العقود السابقة عندما تترك المكتب وينتهي العمل فعلا. يستطيع معظمنا اليوم العمل بأي ساعة أراد وأينما كان، لذا من البديهي أن الخط الفاصل بين العمل والحياة الشخصية بدأ يبدو مبهما. لكن من المنطقي أن العمل من المنزل باستطاعته أن يساعد في إعادة تحديد – أو على الأقل إعادة موازنة – ذلك الخط.

تجد أليساندرا سيريسا، مديرة تسويق شركة (Greenrope) أن بإمكانها الموازنة بين العمل والحياة الشخصية بشكل أفضل عندما تعمل عن بعد، فتقول:

«لأن ما نعمل عليه غير محصور بين الساعة التاسعة والخامسة، يمكنني الذهاب للنادي الرياضي بنصف اليوم، أو التنزه، أو قضاء حاجاتي الشخصية. عندما آخذ هذا النوع من الاستراحات يزداد تركيزي متى ما عدت مجددا للعمل. حياتي متوازنة لأنني أنهي عملي ويتبقى لي وقتا لعيش حياتي».

لربما كان تنقلك بين المنزل والعمل يجعلك محبطا حتى قبل لحظة جلوسك على مكتبك، وكل ما يمكنك القيام به بينما تشرب قهوتك الصباحية هو تخيل على ماذا كان يمكنك أن تنفق مالك الذي ذهب في وقود السيارة. إيقاف ذلك التنقل له أن يحدث تغييرا كبيرا على الموظفين الذين يعملون بعيدا عن المكتب على مستوى الإرهاق والصحة العامة. وقد قام تشارلي هراري، الرئيس التنفيذي لشركة (H3 & Company) والدكتور الجامعي في كلية سي سيمز لإدارة الأعمال في جامعة يشيفا، بخفض عدد الأيام التي تضطر فيها أحدى موظفاته للتنقل والذي سمح لها بإنهاء أعمال أكثر في ساعات عملها. فيقول:

 «لدي موظفة تضطر للتنقل بين المنزل والعمل لمدة ساعتين كل يوم. وذات يوم ذكرت بأن عليها الذهاب للمنزل مبكرا لحضور التزام عائلي. فسألتها لماذا ووضَّحت لي تفاصيل تنقلها اليومي للمكتب. فصدمت من مدى صعوبة وضعها للوصول للمكتب كل يوم».

فاقترح عليها مباشرة خيار العمل من المنزل. كانت الموظفة في البداية حائرة ما إذا كان العمل عن بعد سيناسبها أو رئيسها في العمل، لكن بعدما اتفقو على الترتيبات المناسبة، كلاهما كان مسرور بالنتائج. وكانت سعيدة جدا لدرجة أنها تعمل من المنزل مرتين في الأسبوع.

مستقبل العمل من المنزل

من الواضح أن الشركات يلحقون بتيار الموجة، ومعظمهم لديهم القدرة والمرونة للعمل من المنزل، وإن لم يكن على الدوام، على الأقل عند الحاجة. فهو يغير طريقة عملنا، خاصة على النطاق التقني. وبينما هذا الحال قد لا يناسب الجميع، يمكن لأصحاب العمل توفير المال وزيادة الإنتاجية لبعض الموظفين. وقد تكون فوائد العمل من المنزل لبعض الموظفين الفارق بين الحياة العملية الممتعة والمجهدة.

يجد المسوق الرقمي كلايبورن غريفين أن العمل عن بعد يناسبه، ويأمل أن ترى مزيد من الشركات الفوائد التي تتبين من العاملين عن بعد، فيقول:

 «آمل حقا من أصحاب العمل أن يدركوا هذا الأمر ويقدموا مزيدا من الوقت لموظفيهم بحيث يعملون من المنزل. أظنهم لا يريدون للموظفين العمل من المنزل لأنهم متخوفين من الاستغلال وقد يكون هناك شعور بعدم وجود رقابة. فلا يمكنك رؤية ماذا يفعل الموظف، ويمكن لذلك أن يبدو كالإفلات عن زمام الأمور. لكن ما يجب أن يكون مهما هو إنجاز العمل».


ترجمة: مهرة المري

المرجع:

Work From Home Benefits by Sarah White – Monster

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *