المرة الأولى التي تعرفت فيها على مصطلح التوجيه، كانت في المرحلة الجامعية في السنة الأولى. كان عالم الجامعة كبير ومختلف تماماً عن عالم المدرسة الصغير، وخلق لي هذا العالم تشتتا كبيرا وتيها لم يسبق لي أن أعيشه من قبل. شعرت وكأني وقعت في فخ، هل هذا هو التخصص الذي أريد؟ لا أفهم شيئاً في المحاضرة، بل أبدو كالبلهاء!، هل جميع من في القاعة يشعرون بما أشعر؟ انخفض معدلي في أول فصل وتعاظم الأمر نفسياً. قررت أن أتوجه إلى المرشدة الطلابية لقسمي وأخبرها عن ما يحدث لي، حتى ترشدني وأضع حداً لهذا الهراء.
في مقابلاتي مع المرشدة، سمعت مني وهدأت من روعي وطمأنتني وبدأت ترسم خطة الطريق وكيف لي أن أتعامل مع ما يحدث. أخيراً وجدت ضالتي، وبعد هذه الجلسة استجمعت نفسي وعرفت إجابات أسئلتي وعملت على الخطة. وكانت النتيجة توازن نفسي ودراسي وعرفت كيف أحوِّل نقاط ضعفي إلى قوة وبذلك استطعت أن ارفع معدلي إلى ممتاز. تعلمت من هذه الجلسة كيف أتعامل مع الصعوبات الجامعية التي واجهتني بعد ذلك. في الحقيقة كان قراراً صائباً.
لم ينته طريقي مع الإرشاد والتوجيه فهي عملية مستمرة. فبعد ذلك أصبحت بحاجة إلى موجّه مهني في بداية عملي وأثناء عملي والقائمة تطول. كثيراً ما نحتاج في حياتنا إلى موجه ومرشد ذو خبرة ودراية نسترشد من خبرته ونستلهم طريقنا منه ونستفيد من عثراته ونتجنب من تكرار نفس أخطائه و يكون بصيص النور لطريقنا. قد نحتاج الشخص الموجه قبل الدخول للطريق أو في منتصف الطريق أو عندما تضيع منا البوصلة ونفقد السيطرة على زمام الأمور. حينها نحتاج إلى مرشد وموجه لنتعرف على أنفسنا وما يلائم شخصيتنا ونكتشف جوانب القوة والضعف فينا من عين خبير.
قد يكون المرشد أو الموجّه صديقا مقربا أو غريبا عابرا أو طبيبا مختصا أو مستشارا خبيرا, وفي جميع الأحوال لابد لنا من الاختيار الصحيح حتى تخرج النتائج بقيمة عالية.
ومن المهم ألا نضخم عمل الموجّه والمرشد المهني، فهو ليس حلالاً للمشاكل ولا يقوم باتخاذ القرار نيابةً عنك. كل مايقوم به هو أنه يساعد على تشكيل خطة عمل تساعد على اختيار المهنة المناسبة والنصح بالابتعاد عن مزاوله مهنة غير مناسبة والتعرف على مهارات لم تكتشفها فيك بعد.
سأتحدث هنا عن التوجيه في المجال المهني. فكثيراً ما يتردد علينا مصطلح ” التوجيه والإرشاد المهني”. ما القصود به ؟ ما الهدف منه؟ ما مدى أهميته في حياتنا المهنية؟ ماذا تتطلب عملية التوجيه؟
بعض المصطلحات المرتبطة بالتوجيه المهني
التوجيه والإرشاد هو عملية إرشاد وتوجيه الفرد إلى الطرق المختلفة، التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكانياته وقدراته وميوله ورغباته، ما يمكنه من أن يعيش في أسعد حال ممكن بالنسبة لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه.
الموجه (coach) والمرشد (mentor): هو شخص من ذوي الاختصاص يسمع منك و يقوم بتوجيهك وإرشادك ويقدم لك النصح حسب دراسات علمية وأدوات ووسائل عملية.
الهدف من التوجيه والإرشاد المهني، وأهميته
الهدف منه:
- مساعدة الفرد على اكتشاف أفضل عمل يلائم شخصيته و اكتشاف قدراته ومواهبه واستثمار ما لديه من مواهب.
- البحث عن المشكلات التي يواجهها الفرد وإيجاد الحلول التي تزيد من الكفاءة والإنتاجية.
- خلق والمحافظة على التوازن والاستقرار النفسي في العمل وتعزيز مشاعر الرضا والإنجاز.
أما أهميته، فلأنه يساعد على التالي:
- تحديد الأهداف وتحسين الأداء العملي وتطوير الفرد ومعرفة الفرد لما يريده وتبصيره بما يطرأ على مهنته من تقدم وتغير وتطور وتجديد, وعرض الطرق التي تساعده على الترقي في مهنته.
- معرفة الذات والميول وأنها وسيلة لتحليل الأفراد ومعرفة شخصياتهم ونقاط القوة والضعف لديهم والعمل على استغلالها أو تحسينها.
- تحقيق الرضا والسعادة لذاته والقدرة على العمل بثقة وكفاءة عالية.
عملية التوجيه والإرشاد المهني
يقوم الموجّه أو المرشد المهني بخطوات عملية، عبر عقد جلسات ومقابلات محددة ويستخدم فيها أدوات عدة حسب الحاجة. أهم الخطوات التي يقوم فيها، هي كالتالي:
- دراسة تحليلية شاملة للفرد: تكشف عن قدراته الجسمية والحسية والعقلية وعن سماته الخلقية والاجتماعية وما يلائمه. وهذا يساعد الموجه على التعرف على الفرد والقدرة على توجيهه التوجيه الصحيح.
- تعريف الفرد بالمهن المختلفة ومن نواحٍ عدة: وذلك بتوفير معلومات تحليلية عن المهن تُظهر نواحيها ومستقبلها وصفاتها الفنية والصحية والاقتصادية, كما تبين ما تتطلبه كل مهنة من اشتراطات ومهارات وسلوكيات. وهذا يساعد على اختيار الفرد المهنة الصحيحة المناسبة له.
- خطة التدريب والتطوير: الأعداد والتدريب على المهنة المختارة. وهذا يساعد على التحقق من استفادة الفرد من عملية التوجيه ومدى تأثير العملية عليه.
أُريد الإشادة إلى أننا اليوم في ظل هذا الزخم من الضغوطات العملية والتوجهات الكثيرة ومتطلبات سوق العمل، لابد من تأطير هذه العملية و ممارستها بالشكل الأمثل والذي يحقق فوائدها. نحن بحاجة إلى تفعيل دور الموجّه و المرشد المهني في كافة بيئات العمل وتوفير موجّهين ذوي اختصاص و علم وأن لا يكون اختيار الموجه في هذه العملية عشوائياً. هذه التأطير سيسهل على الفرد ويرسم له خطة واضحة تخلق استقرارا نفسيا وبالتالي مهنيا. وهي أيضا مهمة لتُجنب الجهات من الاختيار الخاطئ للموجّهين والمرشدين وما يؤدي ذلك إلى هدر الجهود والميزانيات.
كتابة: آلاء الشهري.
المرجع:
مفهوم التوجيه والإرشاد النفسي، عبدالله عثمانية.
اطلِع على المقال السابق في الإرشاد والتوجيه المهني: